Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

المرأة المصرية.. شريك استراتيجي في نهضة الاقتصاد الوطني
دكتور باسل نعمان

دكتور باسل نعمان

بقلم دكتور باسل نعمان 

باحث اقتصادي 
تلعب المرأة المصرية اليوم دورًا محوريًا في صياغة المشهد الاقتصادي للبلاد، ليس فقط باعتبارها تمثل ما يقرب من نصف المجتمع عددًا، بل لأنها أصبحت شريكًا فاعلًا في قطاعات العمل والإنتاج وريادة الأعمال. ومع ما تشهده الدولة من تحولات اقتصادية واسعة وسياسات حكومية تستهدف تمكين المرأة، بات تأثيرها أكثر وضوحًا في دعم النمو الاقتصادي، وخفض معدلات البطالة، وتعزيز الدخل القومي على نحو غير مسبوق.

ورغم أن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل لا تزال منخفضة مقارنة بالرجال، حيث تشير الأرقام إلى أنها تتراوح بين 14 و18 في المائة وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلا أن هذه النسبة تشهد ارتفاعًا تدريجيًا عامًا بعد آخر. ويعود ذلك إلى التوسع في فرص التعليم، وانتشار ثقافة العمل الحر، ودخول النساء بقوة إلى عالم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. يبرز هذا الحضور بشكل لافت في قطاعات أساسية مثل الصحة والتعليم، حيث تشكل النساء أكثر من أربعين في المائة من القوى العاملة، فضلًا عن مساهماتهن الواسعة في القطاع الزراعي خاصة في القرى والمناطق الريفية، حيث لا تزال المرأة تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على دورة الإنتاج الزراعي وإدخال أساليب حديثة تسهم في زيادة الإنتاجية. أما في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن نحو ثلاثين في المائة من هذه المشروعات تدار أو تُملك من قبل سيدات، ما يعكس تنامي ثقافة ريادة الأعمال بين النساء المصريات.

هذا التوسع في النشاط الاقتصادي انعكس بوضوح في السنوات الأخيرة على قطاع ريادة الأعمال، حيث شهدت مصر طفرة في البرامج التمويلية الموجهة للسيدات، لاسيما برامج التمويل متناهي الصغر التي نجحت في الوصول إلى القرى والنجوع النائية. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من سبعين في المائة من المستفيدين من هذه البرامج هن من النساء، وهو ما يترجم إلى مئات المشروعات الصغيرة التي ساهمت في خلق فرص عمل جديدة، وتنشيط الاقتصاد المحلي، وتحسين مستوى معيشة الأسر في مختلف المحافظات. وتبرز في هذا السياق قصص نجاح ملهمة، مثل سيدات حوّلن مشروعات منزلية بسيطة إلى شركات صغيرة ناجحة في مجالات الحرف اليدوية والصناعات الغذائية والتكنولوجيا الناشئة، ليقدمن نموذجًا عمليًا على قدرة المرأة المصرية على الابتكار والمنافسة.

ورغم هذه النجاحات الملحوظة، لا تزال الطريق أمام المرأة المصرية مليئة بالتحديات التي تعيق وصولها إلى كامل إمكاناتها. فالفجوة في الأجور بينها وبين الرجال ما زالت قائمة في العديد من القطاعات، كما أن تمثيلها في المناصب القيادية العليا لا يعكس حجم مشاركتها وكفاءتها. يضاف إلى ذلك القيود الاجتماعية والثقافية التي تحد من توسعها في مجالات عمل جديدة، فضلًا عن صعوبة النفاذ إلى بعض القطاعات كثيفة العمالة التي لا تزال مغلقة أمام النساء.

وتدرك الدولة أن تجاوز هذه التحديات يحتاج إلى تدخلات عملية وخطط استراتيجية واضحة، وهو ما ترجمته في الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، التي تستهدف رفع معدل مشاركة النساء في سوق العمل إلى خمسة وثلاثين في المائة خلال السنوات المقبلة. كما أطلقت البنوك وصندوق تنمية المشروعات برامج متنوعة للتثقيف المالي، إلى جانب مبادرات تدريب وتأهيل تستهدف ربط المرأة باحتياجات سوق العمل المتغيرة، وإعدادها لدخول قطاعات جديدة تتطلب مهارات متقدمة، خاصة في الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية.

الأثر الاقتصادي لهذا التمكين بات ملموسًا في مختلف المؤشرات. فالدراسات تشير إلى أن مضاعفة مشاركة النساء في سوق العمل يمكن أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة تتراوح بين عشرين وثلاثين في المائة على المدى الطويل، فضلًا عن مساهمتهن المباشرة في تعزيز الأمن الغذائي من خلال قطاع الزراعة، وتقليص معدلات الفقر عبر زيادة دخول الأسر وتحسين قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية. وتجارب دول مثل الإمارات ورواندا تقدم دروسًا مهمة في هذا المجال؛ حيث نجحتا في توسيع نطاق مشاركة النساء في الاقتصاد، ما أدى إلى تسارع معدلات النمو وتحقيق تقدم ملموس في مؤشرات التنمية البشرية، وهي دروس يمكن لمصر الاستفادة منها مع مراعاة خصوصيتها الثقافية والاجتماعية.

إن المرأة المصرية لم تعد عنصرًا مساعدًا في الاقتصاد، بل أصبحت شريكًا رئيسيًا في مسيرة التنمية الشاملة. ومع اتساع مشاركتها في مختلف المجالات، يترسخ وعي جديد لدى صناع القرار والمجتمع على حد سواء بأن الاستثمار في تمكين المرأة ليس خيارًا ترفيهيًا أو شعارًا دعائيًا، بل ضرورة استراتيجية واقتصادية لتحقيق تنمية مستدامة. وخلال السنوات العشر المقبلة، ومع استمرار التوسع في برامج التعليم الرقمي والتدريب المتخصص، يتوقع أن يتضاعف أثر النساء في دعم الاقتصاد المصري، وأن تصبح مشاركتهن عاملًا رئيسيًا في تعزيز تنافسية الدولة إقليميًا ودوليًا، وترسيخ دعائم مجتمع أكثر شمولًا وعدالة.



تواصل معنا