عندما يتعلق الامر بالامن القومى المصرى ، فالقيادة السياسية لا تملك ترف الانتظار او عدم التحرك لمواجهة التحديات واى تداعيات سلبية ربما تؤثر الان او مستقبلا عن امن واستقرار البلاد.. والحديث هنا عن قمة دول جوار السودان التي نظمتها القاهرة قبل أيام لوقف نزيف الدم السودانى.
سبق انعقاد القمة خطوات قامت بها بعض الأطراف لحلحة الازمة الداخلية في السودان ، لكنها لم تؤتي اوكلها.. وبقى الحال كما هو ان لم يزداد سواء.. أيضا عندما يتعلق الامر بالسودان الشقيق فان مصر ودبلوماسيتها تكون حاضرة وبقوة بحكم التاريخ والجغرافيا الذى وحدا مصير البلدين.
كما أن للصراع الحالي في السودان تداعيات كبيرة على مصر، لا سيما فيما يتعلق بالموارد المائية والأمن الإقليمي.
وعلى عكس بعض الأطراف الأخرى التي تنطلق من مصالح أنانية ومنحازة، تمتلك مصر قنوات اتصال بمعظم الأطراف الفاعلة في المشهد الأمني والسياسي في السودان، فضلاً عن إمكانية توفير كافة المساعدات اللوجستية للتوصل لحل سلمي ومستدام للصراع في السودان.
لقد مهدت مصر الطريق بالفعل لعقد المؤتمر من خلال تحركاتها الدبلوماسية واتصالاتها منذ بداية الحرب. ويشمل ذلك الاتصالات الدبلوماسية مع الأطراف المتصارعة والزيارات المبكرة لوزير الخارجية سامح شكري، إلى دول الجوار، ولا سيما جنوب السودان وتشاد. وتشير هذه الجهود إلى استعدادات مصر لهذه القمة. كما استضافت القاهرة ورش عمل للقوى المدنية والأحزاب السودانية، بحثاً عن حلول لتعقيدات المرحلة الأخيرة من العملية السياسية بعد توقيع الاتفاق الإطاري السياسي.
وكشفت مصادر أفريقية متابعة للملف السوداني أن القاهرة أجرت مشاورات واسعة قبل القمة، شملت الولايات المتحدة والسعودية، لرعايتهما مفاوضات غير مباشرة مع طرفي القتال في السودان ودول أوروبية مؤثرة، كما زار القاهرة مؤخرا مسؤول أمني كبير مبعوثا من رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان.
ولعل ذلك كله يدل على فهم مصر الجيد لأبعاد الأزمة وجذورها، وكذلك إدراكها لتطوراتها. وهذا ما جعل لقمة القاهرة دلالتها الخاصة بسبب موقفها المتوازن وترحيب أطراف الصراع بها.
بالطبع هناك مخاوف بين بعض الدوائر الدبلوماسية من أن عمليات السلام الأفريقية والعربية المتنافسة ستقوض بعضها البعض. ولعل ذلك هو ما يجعل خطة السلام المصرية التي دعمتها دول الجوار السوداني الأكثر طموحاً وشمولية حتى الآن، كما أن مصر تعتزم الاستفادة من علاقاتها الطويلة مع القادة العسكريين وزعماء الحركات المسلحة لعقد اجتماعات مباشرة ودفع وقف إطلاق النار وأهداف المساعدة في الوصول إلى حل سلمي مستدام.
لكن لا تزال هناك عقبات عديدة على طريق السلام، لا سيما عدم استعداد الفصائل المتحاربة لقبول فكرة عدم وجود حل عسكري للصراع. كما أن ميل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى التوافق مع مبادرة "إيجاد" الإقليمية، التي تدعو إلى تدخل عسكري محتمل يتعارض مع فلسفة المبادرة المصرية التي تؤكد على عدم التدخل الخارجي والدفاع عن سيادة السودان.
ولعل ذلك يظهر بجلاء كيف أثرت العلاقات المتوترة بين مصر وإثيوبيا بسبب الخلاف على سد النهضة الإثيوبي على الديناميكيات المحيطة بالأزمة السودانية. وبشكل عام، تسعى الخطة المصرية إلى معالجة الأزمة في السودان من خلال إشراك القادة الإقليميين، وتعزيز الحوار، وإقرار وقف إطلاق النار والوصول إلى المساعدات دون تدويل الأزمة وعسكرتها.
بعد 3 أشهر من اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع رمت مصر بثقلها واستضافت زعماء أكبر تجمع إقليمي لمناقشة وقف الحرب منذ انفجارها، ونالت نتائج القمة إجماعا سودانيا، وقطعت الطريق أمام تدويل الأزمة رغم تقاطع مصالح وأجندة دول جوار السودان… ويبقى التأكيد دائما ان القاهرة ستظل هي الوحيدة القادرة على إدارة أزمات المنطقة بما تمتلكه من تراكمات تاريخية وسياسية.