حسم الموقف المصرى الكثير من الجدل والهلاوس حول مستقبل قطاع غزة الذى برز على سطح الاحداث في اعقاب تداعيات هجوم يوم السابع من أكتوبر الماضى الذى شنته حركة حماس على المستعمرات الإسرائيلية.
وعلى غرار الخطوط الحمراء التي وضعتها مصر في ليبيا، جاء هذه المرة اللاءات الأربعة وشملت لا لتهجير الفلسطينيين ، لا لإدارة إسرائيل او احتلالها للقطاع، لا لادارة مصر للقطاع ، لا للتواجد الدولي بغزة.
الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو من أبلغ مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، تلك اللاءات. وفوق هذا وضعت مصر تصورها الوحيد والتاريخي لحل الازمة وهو حل الدولتين.
ومع دخول حرب القطاع شهرها الثاني، تصاعد الحديث عن مستقبل غزة بعد الحرب، حيث يطرح خيار إنهاء حكم حركة "حماس" واستبدالها بجهة أخرى من المرجح أن تكون السلطة الفلسطينية، وبدون أدنى شك ان الطريق الوحيد لانهاء هذا الجنون الدائر يبدأ بالاتفاق حول من يضمن استقرار غزة بعد الحرب، ففي نهاية المطاف يجب ان يكون هناك مسئول مستقبلا عن إدارة القطاع وتسيير حياة البشر هناك ، فضلا عن تلك الإدارة او اى كان المسمي ستكون من ضمن أهدافها الأولية ضمان عدم تكرار ما حدث يوم السابع من أكتوبر الماضى.
بالطبع هناك تحديات يصعب تجاوزها اذا اتفق على تحمل السلطة الفلسطينية مسؤولية القطاع، لانها هي نفسها تفتقد الإدارة الكاملة على الضفة فضلا عن غياب التواصل الجغرافى بين الضفة والقطاع، وفى كل الأحوال تظل فكرة دولة فلسطينية مستقلة محل جدل وشك لانها لا تمتلك فعليا لمقومات الدولة المستقلة، فلا يوجد صناعة او زراعة او تجارة تحت سيطرة السلطة يمكنها من تمويل برامج الدولة، حتى ان جميع الخدمات فعليا سواء في الضفة او غزة تأتى من إسرائيل سواء مياه او كهرباء او غاز ، فالضفة على سبيل المثال محصورة تماما بين إسرائيل من جميع الحدود باستثناء الشرق مع الأردن، بالتالى يبقى اعتمادها على إسرائيل لا مفر منه.
التواجد المصري في غزة، أمر مرفوض من جانب القاهرة، لأن المقاومة لن تنتهي، ولن تقبل مصر كبح جماح المقاومة حال تواجدها في القطاع.
كما ان محاولات كبح جماح المقاومة هي بمثابة العداء للشعب الفلسطيني كله واعتداء على حقه في تحرير أرضه.
وفى حقيقة الامر فإسرائيل لن تنعم بالأمن إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم وفق الشرعية الدولية وأبرزها القرارات 242 و191 و181.
من الجيد ان هناك اتفاق بين مصر والولايات المتحدة على رفض التواجد الاسرائيلي في القطاع، الرفض الأميركي لتواجد إسرائيل بغزة يعكس تحولا كبيرا في الخطاب الأميركي رغم المساندة الكبيرة لإسرائيل.
بالنسبة لمصر فالتواجد الاسرائيلي يشكل خطرا على امنها القومي ، ومصر ترفض هذا التواجد تحسبا للنزوح الاضطراري أو القهري من غزة.
والقاهرة تدرك في الوقت ذاته ان المقاومة لا يمكنها تحرير الأرض لكنها تمتلك أدوات ازعاج العدو ، بالتالى إذا تأثرت حماس على مستوى القيادة، بعد الحرب، ستبقى متواجدة على مستوى القاعدة الشعبية. وهذا معناه ان الازعاج سيستمر. الفلسطينيون يقاتلون من أجل تحقيق حريتهم واستقلالهم وهذا ما يجب مساعدتهم فيه، وحل الأزمة الراهنة يبدأ بمنح الفلسطينيين حقوقهم.
الموقف المصري من القضية الفلسطينية ومن الأزمة الراهنة، موقف مبدئي وأساسي وتم إعلانه مبكرا. والقاهرة مهتمة بالحفاظ على الشعب الفلسطيني وحمايته داخل أرضه وأثناء ممارسته حقه في تحرير أرضه وتقرير مصيره.
وإسرائيل هي التي تتحمل مسؤولية إفساد صيغة الحكم الذاتي في غزة والضفة الغربية التي تم التوصل إليها في أوسلو.
قمة القاهرة للسلام التي دعت اليها في اعقاب اعتداء إسرائيل على القطاع كان الهدف منها توضيح موقف مصر الثابت والراسخ ولم تغفل ان ترسل رسالة سلام لكل أحرار العالم بكل اللغات لإيقاف حمامات الدم التى تراق على أرض فلسطين وإسكات صوت البنادق فى حرب الإبادة التى تمارسها إسرائيل ضد الأبرياء من الأطفال والنساء، لنصرة الشعب الفلسطينى وإيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية.
فخلال الأيام الصعبة الماضية قادت مصر العالم بصوتها الرشيد وموقفها الثابت ودبلوماسيتها الرصينة، فهى أول من نادت بإدخال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين المحاصرين الذين يموتون جوعاً وعطشاً حتى تحقق لها ما أرادت وبدأ دخول المساعدات، وهى أول من نادت وتنادى بوقف إطلاق النار وبدء المسار السياسى بحل الدولتين كى يعم السلام فى المنطقة بأسرها بعد ٧٥ عاماً من الصراع الدامى.. والأيام المقبلة ستشهد المزيد من الانفراج انطلاقا من رؤية مصر ولاءاتها المشروعة التي باتت خريطة طريق لانهاء هذا الوضع غير الانسانى.