لا اظن، وليس كل الظن اثم انما بعضه فقط، ان أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، يمتلك القدرة على تنفيذ تهديده بإشعال حرب اهلية في لبنان إذا اصرت الحكومة اللبنانية نزع سلاح الحزب.. علي كل حال ليس هذا اول تهديد، ولن يكون اخرها وهو يحاول اعادة تموضعه فى الخريطة اللبنانية بعد ان سقط في اختبار حرب الثامن من اكتوبر التي دخلها الامين السابق حسن نصر لله دعما لحماس في قطاع غزة.
الوفد الأمريكي في بيروت الان يعمل على وضع آلية لنزع سلاح الحزب بالتنسيق مع الحكومة التي من المقرر ان تطرحها جدولها النهائي لعملية النزع بعد أيام، وقبلها وافقت واشنطن على تمديد عمل القوات الدولية في جنوب لبنان لمدة عام، في خطوة تهدف الى منح بيروت كل الدعم الممكن للبدء في تنفيذ تعهدها.
إعلان رئيس الوزراء، نوف سلام، أن "الجيش اللبناني قد كلف بوضع خطة تنفيذية تتعلق بحصرية السلاح قبل نهاية العام". هو الذي أشعل غضب حزب الله الذي يشعر ان ساعة الحساب قد حانت مرة تحت تأثير الضربات غير المسبوقة، واخرى بعد ان وجد نفسه وحيدا بعد ان تقطعت به السبل في اعقاب سقوط نظام بشار الاسد، الذي كان يوفر له طريقا آمنا للسلاح والمال واشياء اخرى.. خطوة سلام تترافق مع ضغوط أمريكية، على خلفية اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي أرسل بموجه الجيش اللبناني لتنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني. والان جاء الدور لنزع سلاح الحزب في شمال النهر!
القاعدة الرئيسية التي يعلمها الجميع، ان اي مقاومة هدفها الرئيسي هو ازعاج المحتل وليس تحرير الارض، هذا ما اكده تاريخ الصراعات حول العالم. بالتالي فان سلاح حزب في لبنان كان ومازال منذ تأسيسه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي خارج إطار شرعية الدولة اللبنانية، بل انه تم زرعه في أضعف لحظات الدولة التي كانت تعيش اسوأ كوابيسها بسبب اندلاع الحرب الاهلية بين طوائفها. بالإضافة الي ان هذا السلاح الذي دعمته اطرافا اقليمية، كان اداة قمع ضد الشعب في كثير من المناسبات، بل ان قوته واسلحته على الارض فاقت بمراحل قدرة وقوة الجيش اللبناني الوطني، وهذه المعادلة المغلوطة هي التي وضعت لبنان بكل طوائفه تحت رحمة حزب الله يقرر فيها ما يشاء حسبما يريد داعميه.. وليس سرا ان الثلث المعطل الذي امتلكه الحزب في الحياة السياسية كان سببا في بقاء لبنان بدون رئيس مدة اقتربت من ٤ سنوات، حتى ان اخر رئيس سابق وهو العماد ميشيل عون جاء الي الحكم بفضل صفقة كبيرة عام ٢٠١٦ أيدها حزب الله نفسه.
والحقيقة الظاهرة للعيان، فان سلاح حزب الله ورط لبنان في أكثر من ٦ حروب منذ تأسيسه، وكان سببا في جلب الخراب والدمار الي بيروت أكثر من ٤ مرات، بعد ان تم استخدامه لصالح أطراف اقليمية.
لكن مياه كثيرة جرت من تحت الجسور وربما تجاوزت كل الجسور، خاصة بعد توجيه ضربات موجعة الي إيران وبرنامجها النووي في حرب ال ١٢ يوم التي شنتها اسرائيل والولايات المتحدة على طهران، فالحزب الذي تآكلت كل قوته تقريبا بعد هجوم "البيجر" واغتيال امينه السابق، وتقطعت كل سبل دعمه وامداده بالمال والسلاح بعد سقوط نظام بشار الاسد، في سوريا، ولم يعد امامه الا ورقة الاخيرة وهي "هدم المعبد" على من فيه.
هذه الورقة تم التلويج بها علنا بعد الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، علي لاريجاني الي بيروت قبل ايام والتقي فيها بقاسم.. هذه الزيارة كانت غير مرغوب فيها من الجانب اللبناني وتم التعامل معها بكثير من الندية، حتى ان السلطة الحاكمة في دمشق رفضت السماح لطائرة المسئول الايراني بالمرور فوق اراضيها، مما اضطره للدخول في الاجواء التركية والقبرصية للوصول الي بيروت، وهي سابقة لم تحدث منذ وصول حكم الملالي الي طهران، بما يؤكد ان المشهد السابق تغير تماما.
تهديدات قاسم، التي تكررها قبل ايام، تعمد فيها خلط الاوراق، معتبرا ان المقاومة حققت نجاحات كبيرة للشعب اللبناني، ووصف قرار الحكومة بنزع سلاح الحزب بانه "خطير للغاية ينتهك ويدمر التحالف الوطني ويعرض البلاد لأزمة كبيرة"، ودعا إلى "عدم جر الجيش إلى صراعات داخلية". وعلى حد قوله فإن حزب الله وحركة أمل قررا عدم الخروج إلى الشوارع للسماح بمناقشة القرار. وقال "دعونا نكون معا في بناء الدولة. لا يمكن بناء الدولة بمكون واحد دون الآخر. وإلا إذا وقفتم في الجانب الآخر وحاولتم مواجهتنا والقضاء علينا، فلن تكون هناك حياة في لبنان. إما أن يبقى لبنان وسنبقى معا، أو تكونون مسؤولين". وادعى أنه "لن يكون من الممكن بناء لبنان إلا بمقاومته. إما أن نبقى معا، أو "السلام على العالم" وستتحمل المسؤولية.
إذا قامت الدولة بنزع سلاح حزب الله، فستكون خطوة تاريخية، لأن الحزب ظل المنظمة الوحيدة التي شاركت في الحرب الأهلية في لبنان، التي انتهت قبل 35 عاما، ليس فقط يحتفظ بسلاحه، بل ويطوره.. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، تمتع الحزب بقوة عسكرية وسياسية هائلة في لبنان، وحتى وقت قريب كان من المحرمات مناقشة نزع سلاحه علنا، ولكي تكتمل الصورة، يجب ان نري موقف الحزب حاليا، وهل هو بالفعل يمتلك القدرة على اشعال حرب اهلية في لبنان..
يمر حزب الله حاليا بمرحلة إعادة التموضع في المجال المالي والتنظيمي، تفرضها الظروف الاقتصادية المضطربة وتراجع الدعم المالي من مصادر أجنبية. دفعته هذه الحقيقة إلى تبني سياسة أكثر صرامة للتحكم في النفقات والأولويات كجزء من إعادة التنظيم.
والحزب يدرك تماما أن نحو 80 في المائة من بقائه الحالي على الساحة مرتبط بقدرته على تأمين التمويل ودفع الرواتب وتقديم الخدمات، وأي تراجع في هذه القدرة يشكل تهديدا وجوديا له. وبالتالي فان عملية إعادة هيكلة أولوياته المالية ضرورة لضمان استمراره.
وبالفعل بدأ الحزب في تقليص الكثير من رواتب العاملين وحتى مقاتليه بما في ذلك مزايا الضمان الاجتماعي. وعلى الصعيد السياسي، توقف حزب الله عن تقديم دعم مالي شهري لحلفائه بالداخل بنحو 200 ألف دولار شهريا بسبب "الضغوط المالية الداخلية".
واعتبر البعض ان ما يحدث ليس أزمة عابرة، بل مسار هبوطي يتطلب إعادة تعريف الأولويات من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من التواجد الداخلي، لافتين الي ان قدرة الحزب حاليا على تحريك الشارع تنحصر في مظاهرات بالدراجات البخارية فقط، وليس كما سبق بمقاتلين وعتاد عسكري مهيب. ولا تزال قضية إعادة الإعمار تشكل عبئا ثقيلا على حزب الله، الذي يفضل إلقاء المسؤولية على عاتق الدولة اللبنانية، على أساس أن إعادة تأهيل المنازل في الجنوب والضواحي الجنوبية هي أولوية ملحة يمكن أن تؤثر على ما تبقي من شعبيته.
فعليا تهديدات قاسم، أكبر من مقومات حزب الله حاليا، لكنها تصبح ورقة جيدة للتفاوض لبقاء الحزب بشقه السياسي في الحياة النيابية اللبنانية، وربما تقطع الطريق لاي محاولة للتنكيل بمن تبقي بقيادات الحزب بعد انهيار قوته العسكرية.
تظل مسألة حصر السلاح في أيدي السلطات الشرعية وحدها هو القرار الذي اتخذه اللبنانيون منذ عام 1989، وجددوا إصرارهم عليه في المبادئ الأساسية للحكومة الحالية، ولبنان من الدول التي تحملت الكثير في ازمة الصراع العربي الاسرائيلي ولازالت برغم حدودها الجغرافية المرهقة، وخصوصية نسيجها الاجتماعي... الرهان الان على وعي الشعب اللبناني الذي خبر الحرب الاهلية لسنوات طويلة، وهو لا يحتاج إلى دروس من أحد..