اي متابع لزيار الرئيس الامريكي دونالد ترامب لمنطقة الشرق الاوسط التي جرت منتصف الاسبوع الماضي، يمكن ان يرصد بكل سهولة كيف ان هذا الرجل يتحرك بدون اي قيود ومحاذير او حتي تقاليد سياسية ودبلوماسية كان من المفترض ان تحكم اقواله وافعاله، بأسلوب يمكن وصفه بالمذهل او المرعب، فهو يسقط كل الثوابت والمحرمات مهما كانت واستبدل كل ما سبق بعبارة عملية للغاية "لا صداقات دائمة ولا عدوات دائمة.. فقط مصالح دائما".
ومن قبل الزيارة اثبت الرجل انه دائما يتحرك تحت عنوان "امريكا اولا" هذا ما شاهدناه عندما قرر الجلوس مع الجانب الصيني للتوصل لحل ازمة الجمارك التي افتعلها لتحقيق مكاسب سريعة واعادة ضبط ميزان التجارة البينية بين البلدين الذي كان معظمه لصالح بكين.. وبالفعل تم الاتفاق على تجميد الجمارك لمدة ٩٠ يوما. نفس الشيء حدث في الحرب الاوكرانية، الان هناك بوادر إيجابية وغير مسبوقة بدأت في إسطنبول على إنهاء الصراع.. والمحصلة الاكيدة ان ترامب حصل على مبتغاه باتفاق المعادن مع اوكرانيا..
وفي الشرق الاوسط ورغم كل تعقيداته فان الرجل حسم موقفه منذ البداية متجاهلا كل الثوابت في السياسة الخارجية لأمريكا واهمها إسرائيل، وشرع في مفاوضات مباشرة مع حركة حماس هي المصنفة جماعة ارهابية من اجل الافراج عن الرهينة الامريكي في القطاع، متخطيا غضب حليفه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الذي سبق وصدمه قبل اسابيع عندما اعلن امام الصحفيين في حضوره بالبيت الابيض عن وجود مفاوضات مباشرة مع ايران دون علم الاخير، ليس هذا فحسب، بل عقد لقاء مع رئيس سلطة الامر الواقع في سوريا احمد الشرع، الموضع علي قوائم الارهاب الامريكية، وقرر تجميد للعقوبات عن سوريا مقابل السماح لشركات التعدين والبناء في الحصول علي نصيب الاسد من عمليات التنقيب واعادة اعمار ما دمرته الحرب في سوريا. وقبلها كان الاتفاق مع الحوثيين في اليمن لوقف الهجمات الجوية الامريكية رغم رفض الرياض لهذا الاتفاق الذي تراها مع جماعة ارهابية وغير شرعية. حتى "القصر الطائر" وهي الطائرة التي اهدتها له قطر وثمنها يقترب من نصف ترليون دوﻻر يرها ترامب انها فرصة رائعة لتجديد طائرة الرئاسة الامريكية باموال اخرين قرروا ان يكونوا أكثر كرما وسخاء من اصحاب الدار. بالمناسبة ترامب في عام 2017 واثناء فترة رئاسته الأولى اتهم قطر بانها تمتلك تاريخ طويل في تمويل الإرهاب.
على كل حال وفي اقل من ٧٢ ساعة قضاها في ثلاث دول خليجية استطاع ترامب ان يحصد أكثر من ٣ تريونات دوﻻر ما بين صفقات سلاح واستثمارات وهدايا، بل ان إحدى الصفقات التي تم توقيعها في الدوحة بالمليارات انقذت شركة بوينج من الافلاس بعد ان كانت تعاني من انهيار، كل هذا دون ان يقدم اي تعهدات ملزمة باستثناء بعض عبارات الغزل والمديح، وهذا المبلغ يزيد عما كان يحتاجه ترامب لتسديد ديون الحكومة الامريكية بترليون دولار قبل ان تعلن افلاسها كما قال الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مطلع هذا العام في البيت الأبيض.
هذا هو ترامب نفسه الذي تحولت حملته على اليمن الي انتكاسة كبري بسبب تسرعه في اتخاذ قرار بشن هجمات جوية على الحوثيين.. ووفقا لتقارير في صحيفة نيويورك تايمز، فقد الرئيس، الذي لم يدعم أبدا التدخل العسكري المطول في الشرق الأوسط، صبره بعد 30 يوما من القتال وأسفر عن نتائج سيئة. يوم الجمعة الماضي فقط، بعد يومين من إعلان ترامب "النصر"، أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا على إسرائيل، بل عندما وطأة قدم الرئيس الامريكي الاراضي السعودية تصدت المضادات الاسرائيلية لصاروخ باليستي تم اطلاقه من اليمن.
تضمنت العملية الأمريكية، التي أطلق عليها اسم Rough Rider ، أكثر من 1100 غارة جوية وقصفت أكثر من 1000 هدف، بما في ذلك مرافق القيادة والسيطرة وأنظمة الدفاع الجوي ومنشآت تصنيع الأسلحة المتقدمة ومستودعات الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، تم اغتيال أكثر من عشرة من كبار قادة التنظيم. ومع ذلك، كانت التكلفة باهظة. قام البنتاغون بتشغيل حاملتي طائرات وقاذفات B-2 إضافية وطائرات مقاتلة، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي باتريوت وثاد، في الشرق الأوسط. في نهاية أول 30 يوما من العملية، تجاوزت التكلفة مليار دولار. خلال العملية، وقع حادثان خطيران عندما سقطت طائرتان من طراز F / A-18 ، بقيمة 67 مليون دولار لكل منهما، في البحر من حاملة الطائرات الأمريكية. وأصيب طياران وأحد أفراد الطاقم في الحوادث. كما أعرب مسؤولون أمريكيون كبار عن قلقهم من استخدام الكثير من الذخائر الدقيقة بعيدة المدى في العملية، مما قد يؤثر على قدرة الولايات المتحدة على الرد في حالة حدوث أزمة في تايوان مع الص…