بالفعل القى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قنبلة قبل أيام عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة، وسيتم تحويله الى ريفيرا شرق أوسطية.. ردود الفعل على تصريحات الرجل اثارت مخاوف الجميع بما في ذلك جزء من المجتمع الإسرائيلي الذى يعتقد ان تلك الخطوة ستتسبب في إضطرابات أمنية شديدة التعقيد.
عندما سئل ترامب عمن يتصور العيش في غزة التي أعيد بناؤها، أجاب: "أتصور أن سكان العالم يعيشون هناك - شعوب العالم. أعتقد أنك ستجعل ذلك مكانا دوليا لا يصدق." مثل كل شيء مع ترامب، وجهات نظره ودوافعه رمادية على الرغم من ان التعبير عنها عادة يكون حادا بالأبيض والأسود.
لكي نكون أكثر صراحة فان احتمالية استيلاء الولايات المتحدة على غزة تقترب من الصفر. فالفكرة مليئة بعقبات لا يمكن التغلب عليها.
أولا وقبل كل شيء، أعيد انتخاب ترامب على امل تحسين الحياة اليومية للمواطن الأمريكي، مع وعد منه بانه لن يكون مشعلا للحروب ولن يرسل أبنائهم الى القتل.. وهو نفسه انتقد تورط الولايات المتحدة في صرعات خارجية.
ان احتلال قطعة أرض أجنبية هو تكلفة مادية واقتصادية كبيرة، لن يمررها الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون خوفا من السقوط فى مستنقع آخر في الشرق الأوسط بعد العراق.
اكثر من مليونى فلسطيني في قطاع غزة لم ولن يوافقوا على إجبارهم على الخروج من أراضيهم، على الرغم من الدمار الهائل من 16 شهرا من الحرب.
انه حتى أقرب حلفاء أمريكا العرب لن يمنحوه صكا لامتلاك غزة فهذا من شأنه أن يتناقض مع موقفهم التاريخيّ بحق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم المستقلة. بالإضافة إلى ذلك، هناك استقرار إقليمي يجب مراعاته. سيصبح الوجود العسكري الأمريكي في غزة هدفا فوريا للميليشيات المدعومة من إيران وحماس والجماعات الجهادية. إن خطر الهجمات المستمرة على غرار التمرد من شأنه أن يجعل الحكم طويل الأجل هناك مستحيلا.
في ظاهر الأمر، فان خطة ترامب غير مجدية بالنسبة للجيش الأمريكي الذي من المفترض انه سيحتل غزة، وبعد حوالي 20 عاما من الخبرة في التعامل مع العراق وأفغانستان، فان تلك الخطوة ستمثل له كابوسيا لوجيستيا وعسكريا وسياسيا، وفضلا عن ان الدول العربية سترفض نزوحا جماعيا للفلسطينيين على أراضيها. فان ترامب نفسه ربما يدرك ذلك أيضا بانه لا يقترح استراتيجية واقعية بقدر إنه يقدم عرضا افتتاحيا في مفاوضات واقتراحات مستقبلية.
الجميع في الداخل الأمريكي المقربين من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض يعرفون أن ترامب الان وبعد فوزه الكاسح في الانتخابات الرئاسية يشعر بالثقة الكاملة لقول واقتراح كل ما يتبادر إلى ذهنه، حتى لو كان مستحيلا، ويرون ان فكرة الاستيلاء على غزة مثل تهديدات التعريفات التجارية ضد كندا والمكسيك – هي تصبح مادة مثيرة للجدل بعض الوقت، ولكنها سريعة الزوال. مسؤول أمريكي قال إن ترامب قدم الخطة لأنه توصل إلى استنتاج مفاده أنه لا يوجد لدى أي شخص آخر أي أفكار جديدة لغزة.
ففي عالم ترامب رجل المال والاعمال، عادة ما تبدأ الصفقة برفع سقف المطالب الى اقصي حد بل وربما الى حدود اقل ما يقال عنها بانها جنونية وغير مقبولة – ثم بعد ذلك، يبدأ التفاوض والتدحرج من سقف المطالب من 100%، نزولا الى اقل حتى من 40 %. سجل ترامب الحافل في العقارات والسياسة يشير إلى أن هدفه ليس احتلال غزة - بل إجبار المفاوض العربي والفلسطيني، على القيام بدور أكثر نشاطا في حل الأزمة.
بالتأكيد فان مفتاح تفكير ترامب ليس التنفيذ الحرفي لكلماته، ولكن قدرتهم على إعادة صياغة اشكال مختلفة من الحلول حتى لو كانت غير منطقية. فهو يعتقد انه ومن خلال خطته السخيفة قد يجبر العرب على الرد - حتى لو كان ذلك فقط لرفض فكرته واقتراح بديل او إيجاد سبل اخري للحل. هذه هي الصفقة الحقيقية… والا فان البديل سيكون سقوط ترامب في مستنقع غزة.