قبل أيام اجتمع قادة 20 دولة في بكين، في أضخم قمة لمنظمة شنغهاي للتعاون منذ تأسيسها قبل 24 عاماً. من بين الحاضرين الرئيسان الصيني والروسي ورئيس الوزراء الهندي.
رسمت قمة منظمة شنغهاي للتعاون، ملامح خريطة جديدة من التحالفات السياسية والاقتصادية ربما ستصبح فيما بعد واحدة من أهم ان لم تكن الاقوي دوليا.
دول المنظمة تمثل سوقاً استهلاكياً يضم 3.2 مليار شخص، أي نحو 40 بالمئة من سكان العالم، ويبلغ اقتصادها مجتمعاً حوالي 25 تريليون دولار، أي ما يعادل ربع حجم الاقتصاد العالمي. وإلى جانب الثقل الاقتصادي، تمتلك المنظمة موارد استراتيجية في الأمن الغذائي والطاقة والصناعة، إضافة إلى القوة العسكرية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي راهن الغرب على افول نجمه الي غير رجعة بعد حرب أوكرانيا، عاد من جديد ليؤكد ان لعبة السياسة تحسم نتائجها في اخر الجولات، وحتى الان مازال بوتين يعزز مكاسبه سواء في عمليته الخاصة داخل المناطق الأوكرانية، او دوليا في ساحة السياسة بعد قمة الاسكا التي جمعته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
التحالف الوليد الذي بدت بشائره في القمة، ويضم الصين، روسيا والهند، يجمعهم رابط مشترك، وهو ان ثلاثتهم تضرروا كثيرا من سياسات الإدارات الامريكية المختلفة، ونيودلهي تحديدا كانت اخر المتضررين بسبب العقوبات التي طبقها ترامب، بعد ان أصبحت مشتريا رئيسيا للنفط الروسي. وأثرت تعريفات ترامب الجمركية على العديد من الدول التي يمثلها القادة في القمة، ووقعت المجموعة إعلانا بعد ذلك بدا وكأنه انتقاد مستتر لسيد البيت الابيض. وذكر الزعماء في إعلان "تيانجين" أنهم عارضوا "الإجراءات القسرية أحادية الجانب" - بما في ذلك تلك ذات الطبيعة الاقتصادي، والتي "تقوض القانون الدولي" وتتعارض مع معايير منظمة التجارة العالمية وميثاق الأمم المتحدة.
قد يؤدي دخول الهند إلى تغيير المعادلة السابقة التي بناها بوتين مع بكين خاصة ان علاقات الأخيرة مع جيرانهم الهنود ليست في أحسن الأحوال سواء على مستوي السياسي بسبب تجدد النزاع الحدودي بين البلدين، او اقتصاديا بعد ان أصبحت الهند هي الملاذ الآمن لكل شركات التكنولوجيا الامريكية التي قررت الرحيل من الصين خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ومن المحتمل أن يشكل انضمام الهند إلى منظمة شنغهاي للتعاون تحدياً للهيمنة الروسية والصينية على المنظمة. فعلى الرغم من علاقاتهما التجارية، من غير المرجح أن تقدم الهند دعماً ذا مغزى لحرب روسيا في أوكرانيا أو لمطالبات الصين بتايوان وبحر الصين الجنوبي.
كما سعت الهند منذ فترة طويلة للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنها لم تتلق سوى دعم فاتر من الصين وروسيا، ربما لمنع تراجع نفوذهما لدى الغرب. ومع ذلك، لن تخسر نيودلهي الكثير طالما استمرت واشنطن في بثّ حالة من عدم اليقين بشأن تجارتها الخارجية.
مؤخرا رفضت الهند التوقيع على بيان مشترك في اجتماع وزراء دفاع منظمة شنغهاي للتعاون في يونيو، لأنها رأت موقفاً مؤيداً لباكستان في إغفال ذكر حادث إطلاق النار الجماعي المميت الذي وقع في 22 أبريل الماضي على سياح في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير.
الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون كانوا دائمي التودد إلى الهند بقوة كثقل موازن للصين. والأكثر انهم كانوا يسعون بنشاط لدق إسفين بين الهند وروسيا، والهند والصين، خوفا من الكابوس الذي أصبح حقيقة، وهو التقارب فيما بينهم. لذا فإن صورة القادة الثلاثة الذين يمسكون بأيديهم حرفيا هي، على الأقل، ضربه وربما صفعة لترامب لم يتلقاه أي رئيس امريكي سابق.
تصريحات رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تعزز المخاوف االمريكية، حيث وصف القمة بأنها "فرصة" للهند وأشاد بتركيزها على "الاتصال" والتجارة بين الدول الأعضاء. وقال مودي: "لطالما اعتقدت الهند أن الاتصال القوي لا يعزز التجارة فحسب، بل يفتح أيضا الأبواب أمام النمو والثقة". ومن وجهة نظر مودي، تبدو القمة فرصة جيدة لإثبات أن الهند لاعب قوي مع شركاء مؤثرين، وهذا سيتعزز مستقبلا.
وأشار مودي إلى أن الهند لن تتوقف عن شراء النفط من روسيا، وأكثر من ذلك فقد بدأ في اتخاذ خطوات جادة لإصلاح العلاقات مع بكين والرئيس الصيني بشكل خاص، وجمدت خططها لشراء أسلحة من الولايات المتحدة وألغت زيارة دفاعية رفيعة المستوى إلى واشنطن مما قد يقوض أكثر من عقد من الجهود الأمريكية للتعاون مع الهند في منافستها مع الصين.
بينما يبدو أن العلاقات الصينية الهندية قد دخلت مرحلة أذابة الجليد، إلا أنها بالكاد دافئة. فلا تزال تداعيات الاشتباكات الحدودية المميتة في عام 2020 تلوح في الأفق، إلى جانب الخلافات حول التكنولوجيا والنفوذ الإقليمي، فضلا عن الخلافات حول القضايا الإقليمية مثل كوريا الشمالية.
ليس هذا فقط ما يقلق بال صناع القرار في واشنطن، حيث شهدت القمة توقيع واعتماد عدد من الوثائق الرئيسية، من بينها "إعلان تيانجين" واستراتيجية تنموية للمنظمة خلال الفترة 2026-2035. وتضمنت نتائج الاجتماع أيضا بيانا بشأن دعم النظام التجاري متعدد الأطراف وبيانا بمناسبة الذكرى الـ 80 للانتصار في الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة و24 وثيقة ختامية بشأن تعزيز التعاون في قطاعات مثل الأمن والاقتصاد والعلاقات الشعبية. كما اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحوكمة العالمية وتقوم على خمسة مبادئ وهي الالتزام بالمساواة في السيادة، والامتثال للسيادة الدولية للقانون، وممارسة التعددية، والدعوة إلى نهج يركز على الشعوب، والتركيز على اتخاذ إجراءات فعلية. ايضا وضعت منظمة شانغهاي للتعاون خطة تنموية ستُمكنها من الاضطلاع بدور أكبر في الحفاظ على السلام والاستقرار على المستوى الإقليمي، وهذا في حد ذاته سيمثل عبء غير مسبوق عل الدور الذي تنفرد به الولايات المتحدة على صعيد الازمات الدولية منذ سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق.