Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

اوهام اسرائيلية
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

ليست هذه المرة الأولى التي تُعلن فيها الولايات المتحدة عن خطة من 21 نقطة لإنهاء الحرب في غزة، تتضمن ضمانات شخصية من الرئيس دونالد ترامب بعدم ضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية، إلى جانب الإفراج الكامل عن الرهائن لدى حماس دفعة واحدة، وإعادة إعمار القطاع، مع إنشاء حكومة من نوع ما لإدارة غزة بدون أي دور لحماس. هذه الخطة لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها، وعلى الرغم من أن التفاصيل هي جوهر أي خطة، فإن موقف إسرائيل وردها عليها يظلان العاملين الحاسمين.
اسرائيل، ومع استمرار الحرب في قطاع غزة التي امتدت الي إيران شرقا وسوريا ولبنان شمالا واليمن جنوبا، اصبحت قاب قوسين او ادني من ايجاد نظرة جديدة لمستقبل هذا الكيان، بل ان المراكز البحثية في تل ابيب بدأت في وضع مخططات لما يسمي "اسرائيل ٢" على غرار الجمهوريات الفرنسية المتتالية من الاولي الي الخامسة، والان تري المراكز البحثية انه وبعد احداث السابع من اكتوبر وتداعياتها فإنها مدعوة الي المشاركة في تلك الرؤية الجديدة بما يتوافق مع مزاعم المخاطر التي تواجهها. لكن بما لا يدع مجالا للشك فهناك لحظة نشوة تعيشها اسرائيل شبيهة بما عاشته بعد نكسة ١٩٦٧، خاصة بعد ما حققته في لبنان وإيران وحتى هجومها علي قطر الذي يمثل سابقة في التطور الاستراتيجي لإسرائيل باعتبارها قوة إقليمية حاسمة استنادا الي مزاعم مُفترضة بأن الضربات التي وجهتها لدول في المنطقة قد غيّرت الشرق الأوسط.
العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله وإيران واليمن وسوريا وقطر، ساهمت في تعزيز هذا الوهم بقدرتها على الردع. وبالنسبة لهم حققت نجاحًا في إيران، بإلحاق أضرار جسيمة بالمنشآت النووية الرئيسية في طهران، وبالقضاء على جزء كبير من القيادات العلمية النووية. ومع ذلك، لم تتخل إيران عن طموحاتها النووية. وهي الان تتفاوض مجددا على تجديد المشروع النووي. صحيح ان إسرائيل يمكن ان تستأنف هجماتها ضد طهران. لكن هذا سيكون مرهونا بظروف سياسية مواتية اقليمية ودولية كما كانت في صيف عام 2025. فضلا عن سعى إيران إلى امتلاك أنظمة دفاع جوي أكثر تطورًا ستزيد من الصعوبات على تل ابيب، كما أن المشاركة الأمريكية في أي ضربة مستقبلية - لا سيما في ظل رئيس مختلف - غير مضمونة.
ايضا كان سقوط نظام الأسد، الحليف الإيراني، من النتائج الإيجابية بالنسبة لتل ابيب. فتح هذا الطريق أمام سلاح الجو الإسرائيلي للوصول إلى إيران. انتهزت إسرائيل الفرصة لتدمير أجزاء كبيرة من الجيش السوري والاستيلاء على أراضٍ لإنشاء منطقة عازلة. لكن تركيا استغلت أيضًا الفراغ السياسي لتثبيت وكيلها في دمشق. وقد خلق هذا نقطة احتكاك بين تركيا وإسرائيل، وبشر بصعود محور سني متطرف مستوحى من جماعة الإخوان المسلمين، التي تستمد قوتها من نفوذ تركيا ودعم مالي من بعض الدول العربية. 
ووصل الامر الي ان سوريا الجديدة اصبحت أيضًا مصدر خلاف بين واشنطن والقدس، اللتين تحملان رؤى مختلفة لمستقبل البلاد. فمثل تركيا، تسعى الولايات المتحدة إلى تحويل سوريا إلى دولة مركزية، بينما تتطلع إسرائيل، الملتزمة بالأقليات (وخاصة الدروز والأكراد)، إلى نتيجة مختلفة تتمثل في دولة قوميات او فيدرالية.
حتى هزيمة حزب الله، التي أضعفت المحور الشيعي بقيادة إيران بشكل كبير، لا تضمن تغييرًا جذريًا في لبنان. وبات النظام السياسي اللبناني يعيش مخاطرة تجدد الحرب الأهلية في حال اللجوء الي القوة لتفكيك سلاح حزب الله، حتى لو ازداد الضغط الأمريكي للقيام بذلك.
فضلا عن ان الضربات المتتالية على الحوثيين في اليمن هي اخرى منحت اسرائيل القدرة على التحرك بحرية كبيرة في كل المنطقة الأسيوية الممتدة من الحدود الشمالية لسوريا مرورا بالعراق وصولا الي إيران شرقا بما في ذلك الخليج وشبه الجزيرة العربية حتى اليمن جنوبا. لكن النتيجة كما هي ان الحوثيين مازالوا يمطرونهم بالصواريخ والمسيرات.
علاوة على ذلك، لم تنتهِ الحرب في غزة بعد، ولا تزال حماس تسيطر على أجزاء من القطاع (وإن كانت تسيطر على 30% فقط). وقد أدى فشل التوصل الي حل سياسي او عسكري او حتى عبر المفاوضات فيما يتعلق قضية الرهائن، إلى إطالة أمد الحرب وتآكل شرعية إسرائيل داخليًا وخارجيًا. وأصبح بقاء حماس متحصنة في مدينة غزة بعد كل ما يحدث من دمار وتجويع للسكان المدنيين يشكل انتصارًا لـ"حركة المقاومة".
في الوقت الحالي، تبدو إسرائيل منهكة وغير قادرة على تحقيق النصر على حماس، على الرغم من أن غزة هي المكان الذي سيتشكل فيه التصور النهائي لمن انتصر في الحرب. والانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي نتيجة محاولات تشريع إصلاح قضائي، واستجابة المجتمع الإسرائيلي لقضية الرهائن، تُعطي صورةً للجميع بأنهم مجتمع منقسم وضعيف عاجز عن تحمّل تكاليف الحرب. ويطرح هذا تساؤل.. هل سيكون هذا المجتمع مستعدًا لإرسال أبنائه وبناته للقتال من أجل أهداف سياسية بعيدة المدى في منطقة من المفترض ان تصبح فيه قوةٍ إقليمية حاسمة؟!
من المؤسف جدًا أن ينسى الإسرائيليون أنهم يعيشون في بلد صغير. ويتجلى هذا بشكل خاص عند النظر إلى القوى العاملة التي يحتاجها جيش الدفاع الإسرائيلي. فاقتصاد إسرائيل أصغر من أن يلبي جميع احتياجاتها. وكغيرها من الدول الصغيرة، تعتمد إسرائيل على الأسواق العالمية والسلع المستوردة خاصة سوق السلاح الذي لا يخضع لقوانين العرض والطلب، بل هو سوق تسود فيه متغيرات ذات طابع سياسي. ونتيجةً لذلك، يزداد اعتمادها على الولايات المتحدة أهميةً. وعندما يصوّت ما يقرب من نصف الكتلة الديمقراطية في مجلس الشيوخ على الحد من إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل، فإن ذلك يثير القلق. فالمساعدة الأمريكية لإسرائيل في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية لها بُعد وجودي. ولا يزال وضع إسرائيل في الولايات المتحدة قويًا، لكن ثمة اتجاهات سلبية تتزايد وتبشر بالسوء. 
وفي عصر العولمة - الذي كانت تندمج فيه إسرائيل بشكل سريع – تراجع الان نتيجة الاعتبارات السياسية والجرائم التي تحدث في غزة. بل ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أعلن قبل ايام عن خطة اقتصاد "اسبارطة" لمواجهة تداعيات الحرب الممتدة، والبدء في الانكفاء الذاتي واعتماد اسرائيل على مواردها في تلبية تطلعاتها خاصة بعد الحصار السياسي والاقتصادي الدولي نتيجة حرب غزة التي تدخل عامها الثالث علي التوالي. الخطة المزعومة واجهها معارضون في الداخل، ويدرك اغلب الباحثين انها مجرد لعبة من نتنياهو للتخفيف من حدة الضغوط الداخلية والخارجية عليه.. في كل الاحوال فان اوهام نجاحات حكومة تل ابيب تتبدد يوما بعد يوم، وربما يخشى الشارع الاسرائيلي من ان يصحوا يوما على كارثة. 
يجب على إسرائيل أن تدرك أيضًا أنها تعيش وسط فضاء إسلامي شاسع يضم مليارًا ونصف المليار نسمة. صحيح الكتلة الإسلامية ليست موحدة، وليس من السهل حشدها سياسيًا وعسكريًا ضد إسرائيل، الا ان لغة العداء في الشارع في العديد من تلك الدول أصبح أكثر عدائيًا تجاه إسرائيل. وهو لن يزول سريعًا.
إوهام القوة الإسرائيلية في انها قادرة على اعادة هندسة الكيانات السياسية خارج حدودها الشمالية والشرقية والجنوبية من خلال يدها الطولي المتمثل في سلا الجو المتطور وايضا الدعم اللوجيستي والعسكري والاقتصادي الامريكي غير المحدود لم يحقق لها الأمان والاستقرار لان كل الدول التي طالتها تل ابيب ستظل تشكل تحديًا أمنيًا في المستقبل القريب والبعيد ايضا. والشرق الأوسط لم يتغير فعليا، فهو لا يزال غارقًا في الصراعات، ولا يزال استخدام القوة جزءًا من قواعد اللعبة فيه. ولا تزال المنطقة مصدرًا للتطرف وانتشار الأسلحة النووية. اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، واتفاقيات إبراهيم، والعلاقات مع دول آسيا الوسطى، جميعها لم تحقق الاستقرار الدائم لإسرائيل والسبيل الوحيد لاندماجها في المنطقة يجب ان يكون عبر تسوية الصراع على ارض فلسطين.



تواصل معنا