تحظي الانتخابات الامريكية باهتمام ومتابعة شديدين ، ليس فقط لانها ستنتج الشخصية القادمة التي ستقود العالم لمدة اربع سنوات ، لكن لانها أيضا تمتلك كل أدوات الاثارة، وعادة وكلما اقترب موعد الاستحقاق الرئاسي نجد ان الضربات بين المرشحين انتقلت من فوق الحزام الي اسفل منه دون الالتزام بآي معايير أخلاقية او أدبية.. وهذا ما نتابعه الان من محاكمات جنائية غير مسبوقة يتعرض لها الرئيس السابق والمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب..
قبل ايام أدين ترامب، بجميع التهم الـ 34 المتعلقة بتزوير سجلات محاسبية لإخفاء دفعه أموالاً لشراء صمت ممثّلة أفلام إباحية، وذلك قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية. وبذلك يصبح الملياردير الجمهوري أول رئيس أميركي سابق يدان جنائياً، على الرّغم من أنّ هذا الحُكم لا يمنعه من أن يواصل حملته الانتخابية أو حتى أن يُنتخب رئيساً. الا انه حتي الان لم يتم الكشف عن التداعيات السياسية لهذا الحكم. وما اذا كانت ستؤدي الي خروجه من السباق الانتخابات كما يطمح غريمه الحالي جو بايدن او انه سيتم إيجاد مخرج قانوني وسياسي له لتكتمل الاثارة في المشهد كما هو متوقع علي طريقة أفلام هوليوود وينجح البطل في الإطاحة بكل اعداءه ليحقق الحلم الأمريكي.
وتوصل المحلّفون في المحاكمة الـ12 إلى هذا الحكم بالإجماع بعد يومين من المداولات. وقالت هيئة المحلفين إنّها وجدت ترامب مذنباً بكلّ التّهم الـ34 الموجّهة إليه والمتعلّقة بتزويره وثائق محاسبية بهدف إخفاء مبلغ 130 ألف دولار دفعه لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز لتجنّب فضيحة جنسية في نهاية حملته الرئاسية في 2016. علي كل حال فان القاضي في محكمة مانهاتن التي أصدرت الإدانة امهل فريق الدفاع عن ترامب حتى 13 يونيو لتقديم دفوعه وللنيابة العامّة حتى 27 يونيو للردّ على هذه الدفوع. ولم يخلو مشهد المحاكمة من الاثارة ، فعند تلاوة حكم الإدانة الصادر عن هيئة المحلفين ظلّ الرئيس السابق جامداً محنياً كتفيه بعض الشيء. وفور صدور الحكم، سارع ترامب إلى التنديد بالمحاكمة التي وصفها ب"مزيفة"، معتبراً الحكم الصادر بحقه "عاراً" لأنه "رجل بريء"، ومؤكداً بنبرة ملؤها التحدي أن "الحُكم الحقيقي" سيُصدره الناخبون يوم الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر. أما الرئيس جو بايدن ، فلم يدل من ناحيته بأي تعليق في الحال. وفي المقابل، اعتبرت الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي جو بايدن أن هذا الحكم دليل على أن "لا أحد فوق القانون".حتي تصل الاثارة الي قمتها لابد ان يخرج قادة من الكونجرس ليزيدوا من سخونة الحدث ، ومن جهته أعرب رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون عن أسفه لحكم الإدانة، معتبراً هذا اليوم "يوماً مخزياً" في تاريخ الولايات المتحدة. وقال الزعيم الجمهوري إنّ "اليوم الديمقراطيون يهلّلون لإدانة زعيم الحزب المعارض بتهم سخيفة، بناء على شهادة (محام) مدان ومشطوب من سجلّ (المحامين). هذه ممارسة سياسية بحتة وليست قضائية". وما هي إلا ساعات على صدور الحكم حتى أعلن فريق الدفاع عن ترامب عزمه على استئنافه.
وتدحرجت ازمة الحكم الي العالمية وتراشق الكرملين والبيت الأبيض بتصريحات حول إدانة ترمب، إذ اعتبرها الكرملين دليلاً على أن البيت الأبيض "يقصي خصومه السياسيين"، بينما رد وزير الخارجية الأميركي أنتوني على ذلك التصريح بأنه "إسقاط" تلجأ إليه جهة لاتهام آخرين بما تقوم به هي نفسها. حتي الاتحاد الأوربي دخل علي خط الازمة بتصريحات تدين ترامب وتنصف القضاء الأمريكي.
الغريب ان إهانة القضاء والتعليق علي الاحكام مرت مرور الكرام عند الجميع علي الرغم انه مجرم قانونا، علي كل حال فان هذا الحكم الولايات المتحدة إلى وضع غير مسبوق قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر، عندما سيسعى الجمهوري ترمب إلى التغلب على الرئيس الديمقراطي جو بايدن من أجل العودة للبيت الأبيض. وأقصى عقوبة قد يواجهها ترمب هي السجن لأربع سنوات، إلا أنه عادة ما تصدر أحكام أقصر للمدانين بمثل هذه الجريمة أو أنهم يواجهون غرامات أو يتم وضعهم تحت المراقبة.
الا ان ما حدث يلقي الضوء علي تأثير ودور المال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فهذا موضوع معقد له تأثير كبير على الديمقراطية وسلامة العملية الانتخابية حيث يلعب التمويل الخاص والتبرعات للمرشحين دورًا محوريًا في حملاتهم الانتخابية. هناك قوانين تنظيم هذا التمويل لكن هناك مخاوف من تركيز السلطة في أيدي الأفراد والمؤسسات الذين يمولون الحملات. وينفق المرشحون مبالغ كبيرة على الحملات الانتخابية في مختلف المجالات كالإعلانات والتسويق والأحداث العامة. هناك نقاش حول تحديد سقف للإنفاق وتوفير تمويل عام للحملات. وهناك دراسات تشير إلى أن المرشحين الأكثر تمويلاً يفوزون في الغالب، مما يطرح تساؤلات عن مدى دور المال في تحديد نتيجة الانتخابات. إجمالاً، يعتبر موضوع دور المال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مثار جدل كبير وهناك نقاش مستمر حول الحلول الممكنة لضمان نزاهة العملية الديمقراطية.
